نزاعات المنطقة العربية آفة الاقتصاد العالمي والمحلي
كتب: فرح حداد
وعلى الرغم من ذلك لم يتأثر قطاع السياحة في مصر بالحرب على غزة بشكل ضخم، فقد ذكرت وزارة السياحة في بيان رسمي لها في شهر يوليو السابق "أن إجمالي أعداد السائحين الوافدين لمصر خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ ٧.٠٦٩ مليون سائح، وهو ما يماثل تقريباً الرقم القياسي التاريخي الذي حققته السياحة في مصر في أعداد السائحين الوافدين خلال نفس الفترة من عام ٢٠٢٣ والتي بلغت ٧.٠٦٢ مليون سائح، وهو ما يعد نمواً أيضاً عن عام ٢٠١٠ الذي بلغت أعداد السائحين خلاله ٦.٩ مليون سائح".
وأشار أحمد عيسى، وزير السياحة المصري أيضًا في بيان آخر إلى احتواء الصراع في قطاع غزة وانحسار تأثيره على أقل من ١٠٪ فقط من الحجوزات السياحية.
حرب السودان..واقتصاديات الدول المجاورة:-
فتلك الأحداث القائمة في السودان حتمًا ستؤثر على الاقتصاد المصري، فثمة تبادل تجاري ضخم بين مصر ودول السودان، فتعتمد القاهرة بشكل رئيسي على الرياض في استيرادها للحوم الحمراء، بالإضافة إلى المشروعات الاستثمارية بين البلدين.
ونظرت بيانات الهيئة العامة للاستعلام إلى أن نسبة التبادلات التجارية بين القاهرة والخرطوم ليست كبيرة، ولكنها سجلت تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة، وفقا للسجل السنوي للتبادل التجاري بين مصر ومؤشر النيل لعام ٢٠٢١ والصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر ٢٠٢٢، فصدرت القاهرة للسودان بقيمة ٨٢٦.٨ مليون دولار عام ٢٠٢١ مقابل ٥٠٠ مليون عام ٢٠٢٠ بفضل منتجاتها ٦٥%، واحتلت المنتجات التجارية والبلاستيكية أولاً في المنتجات التي استوردتها السودان من مصر بـ ٢٧١ مليون .
في المقابل، وصلت إجمالي صادرات الخرطوم للقاهره نحو ٣٣٦.٧ مليون دولار عام ٢٠٢١ مقابل ٢٢٥ مليون عام ٢٠٢٠ ٤٩%، وجاءت الحيوانات واللحوم والأطراف الجميلة للأكل في المقدمة الأولى للصادرات ٢١٧ مليون، ثم الأعلاف والحبوب والنباتات بـ ٧٠ مليون .
إيرادات الدخل الملاحي الدولي:-
ولقد أثرت الحروب والتوترات في المنطقة العربية أيضًا على الدخل الملاحي وإيرادات قناة السويس، كما أظهر بيان للبنك المركزي المصري في شهر يوليو السابق أنه قد سجل انخفاض إيرادات قناة السويس إلى ٥.٨ مليار دولار في الفترة من يوليو ٢٠٢٣ إلى مارس ٢٠٢٤ - أول تسعة أشهر من العام المالي الماضي - مقارنة مع ٦.٢ مليار دولار في الفترة المناظرة من العام المالي الأسبق.
وأكد المركزي أن ذلك الانخفاض بشكل أساسي يرجع للتوترات التي تشهدها حركة الملاحة في البحر الأحمر، مما اضطر أيضًا العديد من شركات الشحن التجارية لتحويل مسارها.
كما أوضح أيضًا الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جلسة حوارية بعنوان "التحول الطاقي وتأمين وخفض الانبعاثات" بمؤتمر مصر الدولي للبروليتول ١٩ فبراير ٢٠٢٤، أن الاقتصاد المصري يُعاني من توابع حركة الملاحة في البحر الأحمر، بسبب الحملات التي يشنها الحوثيون في المنطقة البحرية تضامنًا ضد الإسرائيليين في قطاع غزة، مما أثر بشكل مباشر على إيرادات قناة السويس حيث تبلغ ما بين ٤٠ ل٥٠ نقطة.
وقال أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس المصرية في بيان رسمي أيضًا إن إيرادات القناة تراجعت إلى ٧.٢ مليار دولار في العام المالي ٢٠٢٣-٢٠٢٥ من ٩.٤ مليار دولار في العام المالي ٢٠٢٢-٢٠٢٣.
هل الحروب العربية مفتعلة ؟
لقد أوضح في ذلك الشأن حسام الحداد، الباحث في شئون حركات الإسلام السياسي، أنه لا شك أن الجماعات الإسلامية تستغل الأوضاع الاقتصادية لتحقيق أهدافها السياسية والدينية، مثل جماعة الإخوان التي تسعى إلى إحداث اضطرابات اقتصادية كجزء من استراتيجياتها لزعزعة استقرار الحكومات، خاصة في المناطق العربية التي لاقت الهزيمة فيها كالسودان أو مصر أو غيرها من الدول العربية التي فشل فيها مخطط الجماعة للإستحواز على السلطة، وفي بعض الحالات، تكون تلك الاضطرابات الاقتصادية مرتبطة بمحاولات لفرض سيطرة أو نفوذ سياسي على المجتمع.
واستكمل الحداد حديثه بأن هناك تقارير تشير إلى أن بعض هذه الجماعات تتلقى دعمًا ماليًا من دول أو جهات معينة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، هذه الجهات قد تكون حكومات دول تسعى لتحقيق أهداف جيوسياسية معينة، أو جهات خاصة تدعم هذه الجماعات لأسباب أيديولوجية أو دينية.
وأوضح الباحث أن التمويل يمكن أن يأتي أيضًا من مصادر غير مشروعة مثل تجارة المخدرات أو تهريب الأسلحة أو حتى الفديات الناتجة عن عمليات الخطف.
واختتم حديثه بأنه في المجمل هذه الجماعات تستغل الأزمات الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية، وتستخدم التمويل كوسيلة لتمويل أنشطتها وإحداث تأثيرات مباشرة على المجتمعات والاقتصادات المحلية.
-نقص في العملات الصعبة!
أوضح الدكتور أشرف البيومي، أستاذ الاقتصاد والتمويل بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة، أن الحروب تؤثر على كافة نواحي الحياة بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص، فأحد موارد مصر من الدخل الأجنبي يأتي من قناة السويس والتي تساهم بنحو ٥٠٪ بالإضافة إلى التجارة الدولية، وعدم وجود دخول هذه الموارد يساهم في اقتصادنا بشكل أساسي، مما يضمن مراعاة النمو الاقتصادي وعدم القدرة على تمويل الاستثمارات، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة بضائع السفن المُحملة من القناة، وتحول معظم المسارات الملاحية من البحر الأحمر الي رأس الرجاء الصالح بسبب توترات المنطقة، مما سبق وزاد من تكلفة البضائع، ومن ثم تساهم في ارتفاع أسعار السلع الغذائية الخاصة، وهو أمر ملحوظ حاليًا، مما يصل إلى نسبة ارتفاع كبيرة جدًا حتى وصلت اليوم إلى ٣٦٪.
كما أن حرب السودان ستتسبب في خسائر في تصدير بعض الموارد إلى مصر، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من سكانها الذين سيصبحوا لاجئين إلى مصر بسبب أضرار الحرب، مما يؤدي إلى سوء المعيشة في بلدنا.
لذلك أوضح البيومي أنه يجب وقف الحروب في أسرع وقت، ثم اتخاذ التدابير التالية، وعقد مؤتمرات للدول المتقدمة المتقدمة والتي يمكنها تقديم الدعم من جديد للإعمار للمدن الجديدة من الحروب، فتقوم باستثمارات أجنبية لإنشاء بنية أساسية وإعمار بشكل عام، وذلك من خلال السماح بتخصيص نصف تريليون دولار.
"للحرب أربعة أصناف من التأثير الاقتصادي" عبارة أشار إليها الدكتور إبراهيم جلال فضلون، أستاذ العلاقات الدولية والخبير الاقتصادي، موضحًا تلك الأصناف كما يلي:
الأول مادي مباشر في الخسائر البشرية والتدمير المباشر للأصول المادية، مثل البنية التحتية والمصانع حتى المزارع، والثاني في سيطرة حالة من عدم اليقين على عديد من المناطق القريبة من ميدان الحرب، التي في الأغلب ليست طرفا في الحرب والتي من المؤكد أنها مدبرة من جماعات ذات مصالح لزعزعة الاستقرار الاقتصادي والامني للمنطقة العربية!. وخير شاهد ما حدث في ثورات الربيع العربي من تنظيم الإخوان في مصر، وداعش بالعراق وتنظيم الدولة والحوثيين وغيرهم، أما الثالث فيتمثل في إعادة هيكلة الأولويات في اقتصاديات الدول ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، والرابع والأخير يأتي في التفكير في الفرصة البديلة ـ ماذا لو صرفت تكاليف الحرب على التطوير الاقتصادي والمعيشي في هذه المجتمعات!
وأوضح فضلون أيضًا أنه من العوامل التي تُعمق النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تأثير التصعيد في غزة على نمو اقتصادات المنطقة، وخفض إنتاج النفط على الرغم من استمرار النمو القوي لنشاط القطاع غير النفطي وتأثيره الإيجابي في دعم النمو لدى الدول المصدرة للنفط، والاستمرار في تطبيق السياسات الاقتصادية المتشددة في العديد من الاقتصاديات.
وبالتالي كما أشار أستاذ العلاقات فقد خفض تقرير صندوق النقد الدولي نسبة النمو المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام الجاري بنصف نقطة مئوية إلى ٢.٩٪، وذلك بعد نسبة ضعيفة سجلها اقتصاد المنطقة في العام الماضي بلغت ٢٪، وتبعه تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الإسكوا، تحت عنوان "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية" يرسم صورة قاتمة للآفاق الاقتصادية بالمنطقة، حيث أدت الحرب على غزة وحرب أوكرانيا والصراع في السودان إلى خسائر فادحة بالاقتصادات العربية، بالإضافة لإعاقة النمو و تفاقم الفقر على المستوى العالمي.
بالإضافة لخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام ٢٠٢٣ إلى ٣.١٪مقابل ٣.٢٪ في توقعات سابقة، كان من المتوقع في البداية أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة ٣.٦٪ عام ٢٠٢٤، ٤.٢٪ عام ٢٠٢٥. لكن قلت النسبة بناء على الأحداث بنسبة ٣.٣٪ فقط لعام ٢٠٢٤.
وأشار أيضًا لزيادة معدلات الفقر في البلدان العربية المنخفضة الدخل نتيجة الحروب العربية من ٥٦٪ و٤٥٪ عام ٢٠١٩ إلى حوالي ٦٣٪ و٥٠ ٪ عام ٢٠٢٣. وتهدد حرب غزة معظم سكان القطاع، أي حوالي ٢.٣ مليون فلسطيني، في فقر متعدد الأبعاد، سيطال دولة فلسطين بكاملها بالإضافة إلى لبنان.. ومثلها السودان الذي تمزقه الحرب، وتشير التقديرات إلى أن الحرب ستكلف إسرائيل أكثر من ٢٥٠ مليار شيكل ٦٦ مليار دولار، وفقا لتوقعات صادرة عن البنك المركزي الإسرائيلي.. وبالفعل أثرت الحرب الإسرائيلية في غزة، والتوترات في البحر الأحمر، بشكل شديد على الاقتصاد في ثلاثة بلدان عربية، إذ كلفت الحرب مصر ولبنان والأردن ١٠.٣ مليار دولار أو ٢.٣٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدول الثلاث مجتمعة. وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن بنسبة ٨٠ ٪، بعد أن ارتفعت بالفعل بنسبة ٥٠ بالمئة تقريبًا، ووفقا للتقييم، من المتوقع أيضا أن يقع ٢٣٠ ألف شخص إضافي في هذه الدول في براثن الفقر، ليكون النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد انخفض بالفعل.
أما بالنسبة لأسواق الأسهم في الشرق الأوسط فأنخفضت متأثرة بالتوترات التي أعقبت اغتيال زعيم المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بعد يوم واحد من غارة إسرائيلية على بيروت أسفرت عن مقتل فؤاد شكر القائد العسكري البارز في حزب الله.
وتراجعت أسواق الأسهم الكبرى في الخليج، مما أثر على انخفاض الأسهم الآسيوية وسط مخاوف من اتجاه الولايات المتحدة نحو الركود.
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه ببعض النتائج المتوقعة لاقتصاديات المنطقة العربية بأن يظل النمو العالمي دون تغيير عند ٣.١ ٪، مساويا لنمو العام الماضي، لكنه أعلى بقليل من توقعات سابقة، على أن يترفع بشكل طفيف إلى ٣.٢٪ في ٢٠٢٥. ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم العالمي إلى ٥.٥٪ في عام ٢٠٢٤ وإلى ٤.٤٪ في عام ٢٠٢٥ أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لمصر من ٣.٨ بالمئة في ٢٠٢٣ إلى نحو ٣ بالمئة في عام ٢٠٢٤.
والحل نتيجة تلك الظروف الحالكة من وجهة نظر فضلون:-
وقف الحروب كغزة والسودان بشكل أسرع، وحل الدولتين، تفعيل دور التكتلات الاقتصادية كبريكس وغيرها، تقديم الدعم المالي للمصالح التجارية من أجل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، تقديم قروض من البنك الدولي ومساعدات عاجلة للدول المحتاجة، تأخير دفع الالتزامات القانونية على الروض وتخفيض الفائدة، حماية الملاحة المائية ووضعها خارج اطار الحرب، وإعادة الإعمار الاقتصادي وملاءَمته مع الوضع الراهن.