شهيد حركة حماس .. من هو القائد يحيى السنوار؟
كتب: فرح حداد
يعد يحيى إبراهيم حسن السنوار سياسي ومناضل فلسطيني وقائد حركة حماس الإسلامية من مواليد عام ١٩٦٢، اعتقلته قوات الاحتلال عدة مرات وحكمت عليه بأربع مؤبدات قبل أن يفرج عنه بصفقة تبادل أسرى عام ٢٠١١، انتخب رئيسا للحركة في قطاع غزة عام ٢٠١٧ ومرة أخرى عام ٢٠٢١، وفي ٢٠٢٤ انتخب رئيسا للمكتب السياسي للحركة بعد اغتيال الاحتلال سلفه إسماعيل هنية.
المولد والنشأة
ولد يحيى السنوار يوم ١٩ أكتوبر ١٩٦٢ في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، نزحت أسرته من مدينة مجدل شمال شرقي القطاع بعد أن احتلها الكيان إثر نكبة عام ١٩٤٨.
تلقى تعليمه في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية بغزة ويتخرج منها بدرجة الباكالوريوس في شعبة الدراسات العربية، نشأ في ظروف صعبة وتأثرت طفولته بالاعتداءات المتكررة للاحتلال لسكان المخيمات.
تزوج في ٢١ نوفمبر ٢٠١١ من سمر محمد أبو زمر، وهي سيدة غزية حاصلة على ماجستير تخصص أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة، له ابن واحد يدعى إبراهيم.
النشاط السياسي
كان للسنوار نشاط طلابي بارز خلال مرحلة الدراسة الجامعية، إذ كان عضوا فاعلا في الكتلة الإسلامية، وهي الفرع الطلابي لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين.
شغل مهمة الأمين العام للجنة الفنية ثم اللجنة الرياضية في مجلس الطلاب بالجامعة الإسلامية بغزة، ثم نائبا لرئيس المجلس ثم رئيسا للمجلس.
ساعده النشاط الطلابي على اكتساب خبرة أهلته لتولي أدوار قيادية في حركة حماس بعد تأسيسها عام ١٩٨٧ خلال انتفاضة الحجارة.
أسس مع خالد الهندي وروحي مشتهى بتكليف من مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين عام ١٩٨٦ جهازا أمنيا أطلق عليه منظمة الجهاد ويعرف باسم "مجد".
وكانت مهمة هذه المنظمة الكشف عن جواسيس الاحتلال ، إلى جانب تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن لديهم، وأصبحت هذه المنظمة النواة الأولى لتطوير النظام الأمني لحركة حماس.
الاعتقالات وحياة السجن
اعتقل لأول مرة عام ١٩٨٢ بسبب نشاطه الطلابي وكان عمره ٢٠ عاما، ووضع رهن الاعتقال الإداري ٤ أشهر وأعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه، وبقي في السجن ٦ أشهر من دون محاكمة. وفي عام ١٩٨٥ اعتقل مجددا وحكم عليه ب٨ أشهر.
وفي ٢٠ يناير ١٩٨٨، اعتقل مرة أخرى بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين من جنود الاحتلال، وقتل ٤ فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع الاحتلال، وصدرت في حقه ٤ مؤبدات مدتها ٢٢٦ عاما.
خلال فترة اعتقاله تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام ١٩٩٢ و١٩٩٦ و٢٠٠٠ و٢٠٠٤.
تنقل بين عدة سجون؛ منها المجدل وهداريم والسبع ونفحة، وقضى ٤ سنوات في العزل الانفرادي، عانى خلالها من آلام في معدته، وأصبح يتقيأ دما وهو في العزل.
حاول الهروب من سجنه مرتين، الأولى حين كان معتقلا في سجن المجدل بعسقلان، والثانية وهو في سجن الرملة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
في سجن المجدل، تمكن من حفر ثقب في جدار زنزانته بواسطة سلك ومنشار حديدي صغير، وعندما لم يتبق سوى القشرة الخارجية للجدار انهارت وكشفت محاولته، فعوقب بالسجن في العزل الانفرادي.
وفي المحاولة الثانية في سجن الرملة استطاع أن يقص القضبان الحديدية من الشباك، ويجهز حبلا طويلا، لكنه كشف في اللحظة الأخيرة.
تعرض لمشاكل صحية خلال فترة اعتقاله، إذ عانى من صداع دائم وارتفاع حاد في درجة الحرارة، وبعد ضغط كبير من الأسرى أجريت له فحوصات طبية أظهرت وجود نقطة دم متجمدة في دماغه، وأجريت له عملية جراحية على الدماغ استغرقت ٧ ساعات.
حرم خلال فترة سجنه من الزيارات العائلية، وصرح شقيقه غداة الإفراج عنه أن الاحتلال منعه من زيارة يحيى ١٨ عاما، كما أن والده زاره مرتين فقط خلال ١٣ عاما.
مؤلفات في السجن
استثمر يحيى السنوار فترة السجن التي استمرت ٢٣ عاما في القراءة والتعلم والتأليف، تعلم خلالها اللغة العبرية وغاص في فهم عقلية الاحتلال، وألف عددا من الكتب والترجمات في المجالات السياسية والأمنية والأدبية، ومن أبرز مؤلفاته:
ترجمة كتاب "الشاباك بين الأشلاء"، لكارمي جيلون، وهو كتاب يتناول جهاز الأمن الداخلي للاحتلال (الشاباك).
ترجمة كتاب "الأحزاب الإسرائيلية عام ١٩٩٢″، ويعرف بالأحزاب السياسية لدى الكيان وبرامجها وتوجهاتها خلال تلك الفترة.
رواية بعنوان "شوك القرنفل" صدرت عام ٢٠٠٤ وتحكي قصة النضال الفلسطيني منذ عام ١٩٦٧ حتى انتفاضة الأقصى.
كتاب "حماس: التجربة والخطأ"، ويتطرق لتجربة حركة حماس وتطورها على مر الزمن.
كتاب "المجد" صدر عام ٢٠١٠ ويرصد عمل جهاز "الشاباك" الصهيوني في جمع المعلومات وزرع وتجنيد العملاء، وأساليب وطرق التحقيق الوحشية من الناحية الجسدية والنفسية.
النشاط السياسي والعسكري بعد السجن
أطلق سراح السنوار عام ٢٠١١، وكان واحدا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل جندي الاحتلال جلعاد شاليط ضمن ما سمي صفقة "وفاء الأحرار".
بعد الخروج من السجن انتخب السنوار عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس خلال الانتخابات الداخلية للحركة سنة ٢٠١٢، كما تولى مسؤولية الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي للحركة وقيادة الكتائب.
كان له دور كبير في التنسيق بين الجانبين السياسي والعسكري في الحركة خلال العدوان على غزة عام ٢٠١٤، وأجرى بعد انتهاء العدوان تحقيقات شاملة لأداء القيادات الميدانية، وهو ما نتج عنه إقالة قيادات بارزة.
عام ٢٠١٥ عينته حركة حماس مسؤولا عن ملف أسرى الاحتلال لديها، وكلفته بقيادة المفاوضات بشأنهم مع الاحتلال، وفي السنة نفسها صنفته الولايات المتحدة الأميركية في قائمة "الإرهابيين الدوليين"، كما وضعه الاحتلال على لائحة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.
انتخب يوم ١٣ فبراير ٢٠١٧ رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية.
حاول في هذه الفترة إصلاح العلاقات بين حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في الضفة الغربية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي في الأرضي الفلسطينية ضمن مصالحة وطنية، إلا أن هذه المحاولات انتهت بالفشل.
عمل أيضا على تحسين العلاقات مع مصر، حيث التقى ضمن وفد قيادي وأمني مع قيادات من المخابرات المصرية في القاهرة سنة ٢٠١٧، وتم التوصل لاتفاقات حول الأوضاع المعيشية والأمنية والإنسانية والحدود.
يحيى السنوار وطوفان الأقصى
بعد عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر، أصبح السنوار المطلوب الأول لدى الكيان الصهيوني، إضافة إلى محمد الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام، والتي أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، إذ يعتبره مسؤولون الكيان العقل المدبر لهجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
في ١٤ نوفمبر ٢٠٢٣ فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على قيادات من حماس تشمل تجميد أصول وحظر السفر، ومن بينهم السنوار، وأصدرت السلطات الفرنسية في ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٣ مرسوما يقضي بتجميد أصول السنوار لمدة ستة أشهر.
لم يظهر السنوار علنا خلال تلك الحرب، وذكرت صحيفة "هآرتس" أنه التقى بعض أسرى الاحتلال خلال فترة احتجازهم في غزة، وأخبرهم بلغة عبرية سليمة أنهم في المكان الأكثر أمانا ولن يتعرضوا لأي مكروه.
في ٦ ديسمبر ٢٠٢٣، أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو محاصرة القوات منزل السنوار لكن لم يتم الوصول إليه، ويعتقد مسؤولون في الجيش أنه يدير العمليات مع باقي قادة الجناح العسكري لحماس من داخل شبكة الأنفاق التي بنتها الكتائب تحت الأرض.
قائدا لحماس بعد هنية
في يوم ٣١ يوليو ٢٠٢٤ أعلنت حركة حماس أن الاحتلال اغتال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في مقر إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران، بقصف الشقة التي كان فيها مع مرافقه.
وبعد دفن هنية في العاصمة القطرية الدوحة، بدأت الحركة انتخابات داخلية لاختيار خلفية لهنية، وأعلنت يوم الثلاثاء ٦ أغسطس ٢٠٢٤ أن هيآتها الشورية اختارت بالإجماع يحيى السنوار رئيسا جديدا للحركة.
استشهاد السنوار
وفي يوم الخميس ١٧ أكتوبر ٢٠٢٤ نشرت قوات الاحتلال وجهاز الشاباك بيانا مشتركا، أعلنا فيه قتل ٣ أشخاص في عملية نفذها الاحتلال في قطاع غزة.
وقال البيان إن "الجيش وجهاز الشاباك يحققان في احتمال مقتل السنوار في العملية لعدم القدرة على الجزم في هذه المرحلة بشأن هوية الأشخاص" المستهدفين فيها.
وقالت إذاعة الاحتلال "إن الجيش تمكن من قتل السنوار في قطاع غزة"، وذكرت أن القوات تواصل عملية التأكد من فحص حمضه النووي، الذي تحتفظ به منذ أن كان قائد حماس معتقلا لديها.
ويوم الجمعة ١٨ أكتوبر نعت حركة حماس قائدها يحيى السنوار وأكدت استشهاده. وقال القيادي في الحركة خليل الحية في كلمة مصورة بثتها قناة الجزيرة إن السنوار استشهد في مواجهة مع جنود الاحتلال.
وأكد الحية أن الحركة ماضية على دربه في مقارعة الاحتلال حتى دحره، وقال إن "السنوار ارتقى مقبلا غير مدبر مشتبكا في مقدمة الصفوف ويتنقل بين المواقع القتالية".
وأضاف أن "أسرى الاحتلال لن يعودوا إلا بوقف العدوان على غزة والانسحاب الكامل منها وخروج أسرانا من المعتقلات"، وأن "استشهاد القائد السنوار ومن سبقه من القادة لن يزيد حركتنا إلا قوة وصلابة".